تتعاظم الواجبات تجاه أي قضية من القضايا بقدر قداستها، وعِظَم مكانتها، ولَمَّا كانت قضية المسجد الأقصى قضية ترتبط بعقيدة المسلمين بلغت بذلك أرفع المنازل وأسماها، فالمسجد الأقصى عدا كونه بيتاً من بيوت الله تعالى، فهو أول قبلة للمسلمين، وهو ثاني مسجد وضع للناس في الأرض، وهو ثالث مسجد من حيث أجر الصلاة فيه، وهو آية في كتاب الله تعالى، وبقعة البركة التي تشع على ما حولها من أرض وأمكنة وديار؛ وبذلك ارتبط المسجد الأقصى بكل ما هو مقدس عند المسلمين قبلة وقرآناً، صلاة وبركة.
فنحن أمام –ودون مبالغة- أعظم قضية يجب أن يَنصَبَّ عليها جهد أهل الإسلام، وهنا تختلف طبيعة الواجبات باختلاف قدرات وإمكانيات الواجب عليهم، فالحاكم أو السلطان المسلم تختص به واجبات تختلف عن تلك التي تتعلق بعامة المسلمين، وهذه وتلك تختلف بالنسبة إلى أهل الاختصاص من مثقفين وإعلاميين ومبدعين، وهو ما نشير إليه باختصار في هذا المقال.
أ. واجب الحكومات، والجهات الرسمية الإسلامية تجاه المسجد الأقصى المبارك:
تتعدد الواجبات الملقاة على عاتق الحكومات العربية والإسلامية تجاه المسجد الأقصى المبارك، ومن هذه الواجبات:
1- دعم مقاومة الشعب الفلسطيني بأشكالها المختلفة: يعتبر حق دفاع الشعوب المحتلة عن أرضها من الحقوق التي تكفلها جميع الأديان والشرائع والهيئات الأممية، وعليه يتحتم على الحكومات في الدول الإسلامية أن تمد يد العون والمساعدة للشعب الفلسطيني في دفاعه عن حقه المسلوب، ولا يقتصر هذا الدعم على شكل واحد من الأشكال بل يتعدى ليشمل الدعم بالسلاح والمال والمواقف، خاصة وأن قوى الشر في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة لا تدَّخر جهدا في دعم الاحتلال الصهيوني الغاصب، وكذلك لابد من تقديم المال لدعم صمود أهل فلسطين في بيت المقدس وجميع أماكن تواجدهم، خاصة أنهم يتعرضون لأبشع صور الابتزاز من العدو الصهيوني في عمليته المتواصلة لتهويد فلسطين والأقصى، ويكون الدعم باستصدار القرارات الأممية في الهيئات المختلفة التي تدعم حق الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه وحريته، واسترجاع أرضه، وتحرير أسراه، وعودة لاجئيه.
2- رفض التطبيع مع العدو الصهيوني: يجب على الحكومات الإسلامية أن تُجرِّم كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، وأن تضم نظم بلادها القانونية نصوصاً واضحة تجرِّم فعل التطبيع، ويكون مرتكبه مجرماً أمام القانون، وأن تُدَشَّن حملات المقاطعة ليس فقط الاقتصادية بل السياسية والثقافية والرياضية حتى يصبح العدو الصهيوني محصوراً ومنعزلاً، لا أن تُفتح للصهاينة السفارات، ومكاتب التمثيل الدبلوماسي، وتعقد الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية بينه وبين الدولة الإسلامية.
3- إدراج القضية الفلسطينية ضمن المناهج الدراسية: مما يجب على الأنظمة والحكومات الإسلامية أيضاً تضمين المناهج الدراسية مساقات، وإصدار مؤلفات، والقيام بأنشطة ذات بُعد تثقيفي تربوي تؤكد على إسلامية القضية الفلسطينية، ووجوب العمل الجماعي المشترك لتحريرها، ورد الحقوق إلى أهلها.
ب. واجب الشعوب، والجماهير المسلمة تجاه القضية الفلسطينية:
تبقى الشعوب قلب هذه الأمة النابض، فإرادة الشعوب هي إرادة حكامها وساستها، وبقدر ارتفاع صوتها، وحفاظها على قضاياها تكون تحركات حكوماتها، ومن هنا كان واجب الشعوب والجماهير عظيماً يليق بعظمتها، ومن أهم هذه الواجبات:
1- فهم حقيقة الصراع، ومعرفة طبيعة القضية: من أهم الواجبات المتعلقة بالشعوب هو فهم طبيعة الصراع بين الفلسطينيين وأعدائهم اليهود، فالصراع صراع بين صاحب حق ومعتدي، بين مدافع عن أرضه ومقدساته ومنتهك لها، فليس للصراع تعلق بطائفة أو جنس أو عرق، وكذلك لابد من معرفة طبيعة القضية الفلسطينية، وأن أهلها لم يبيعوا أرضهم، ولم يتنازلوا عن أي جزء من مقدساتهم بإرادتهم، وإنما حدث تآمر دولي كان من آثاره احتلال أطهر بقاع الأرض بعد تهجير أهلها منها.
2- المقاطعة الاقتصادية: يجب على الشعوب الإسلامية فرض حالة من الوعي يكون بموجبها ويتمخض عنها رفض كل ما من شأنه أن يساهم في دعم الاحتلال الصهيوني، وفي مقدمة ذلك المقاطعة الاقتصادية لكل ما هو صهيوني أو صادر عن جهة داعمة للسياسات الصهيونية.
3- إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في جميع المحافل: على الشعوب أن تؤكد في كل محافلها الاجتماعية والثقافية على حضور القضية الفلسطينية، والمشاركة في الأنشطة والفعاليات الداعمة لها، والتأكيد على إسلامية القضية، وأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم في هذه المعركة.
4- تربية الجيل على حب فلسطين والعمل لخدمة قضيتها: في ظل معركة الوعي التي تستهدف الأمة الإسلامية يجب على الشعوب أن تغرس في الأجيال جيلاً بعد جيل أحقية القضية الفلسطينية، وأن فلسطين أرض وقف إسلامية لجميع المسلمين، وأن واجب تحريرها واجب الأمة بأسرها.
5- تقديم الدعم المعنوي والمادي: معركة الصمود والتحرير التي يخوضها الشعب الفلسطيني لابد أن تكون من خلفه أمة تقدم له الدعم المادي والمعنوي الذي يحافظ على استقلال قراره المقاوم، وهو ما يفرض على الأمة أن تقدم كل أشكال الدعم خاصة المادي منه، بما يضمن عدم تعرض القرار الفلسطيني لأي ابتزاز من أي طرف من الأطراف.
ج. واجب الإعلاميين والمثقفين المسلمين تجاه القضية الفلسطينية:
يُعد الإعلام أحد أهم الأسلحة في عصرنا الحديث، وهو سلاح شديد التأثير، ومن يُحسن استعماله يمكنه حسم كبرى المعارك، وعليه يتوجب على الإعلاميين والمثقفين المسلميين مجموعة من الواجبات، منها:
1- بث روح العزة والكرامة في الأمة: مرت الأمة بظروف في غاية الصعوبة على مستويات عدة، وفي أقطار مختلفة أدى إلى سريان روح الانهزام والاستسلام، وهو ما يفرض على الإعلاميين والمثقفين المسلمين أن يبثوا في الأمة روح العزة والكرامة، وأنّ هذا الظلام سينبلج عنه نهار أبلج، وأن هذا العسر سيتبعه يُسر ونصر، وأن المستقبل لهذه الأمة ولدينها العظيم.
2- الضغط على صانعي القرار: كما أسلفنا فإن الإعلام سلاح قوي ومؤثر، ويمكنه أن يؤثر على صانعي القرار من حكام وسياسيين بحيث تتناغم قراراتهم السياسية مع المزاج الشعبي الداعم والمؤيد للقضية الفلسطينية.
3- فضح جرائم العدو الصهيوني وتحالفاته الظالمة: ارتكب العدو الصهيوني، ولا يزال أبشع صور الجرائم ضد الإنسانية، وهنا يجب على الإعلام أن يبين هذه الممارسات الإجرامية لآلة الحرب الصهيونية، وأن يُظهر على الملأ حجم الإجرام الذي يُرتكب بحق المواطنين العزل من الفلسطينيين، وهو ما من شأنه أن يفضح الدعاية الصهيونية ويرد عليها، وكذلك فضح التحالفات الظالمة التي تتم خلف الكواليس، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء عليها.
4- تصحيح المصطلحات وتصويب المفاهيم: للإعلام دور مهم في تصحيح المصطلحات، حيث بلغت عملية الكي الثقافي مبلغاً خطيرا حين يتكلم الإعلام عن دولة إسرائيلية بجانب دولة فلسطينية، وقدس شرقية وأخرى غربية، وعملية تسوية وهي كناية عن عملية تنازل عن معظم فلسطين التاريخية، ومفاهيم كثيرة لابد من تصويبها كمفاهيم التعايش والسلام، والتنسيق الأمني..إلخ.
فهذه بعض واجبات الأمة الإسلامية تجاه القضية الفلسطينية، وهي غيض من فيض نسأل الله أن يُبَصرنا بها، ويكتب لأمتنا تحقيقها والالتزام بها.