د.شريف أبو شمالة
رئيس مؤسسة القدس ماليزيا
حفلت السنَّةُ النبويَّةُ بالشَّواهدِ والأحاديثِ والأحداثِ التي تُشير إلى عظيمِ مكانةِ المسجدِ الأقصى وفضلهِ وقدسيَّتِه، فضلًا عن اهتمام النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصحابتِه فيه، وتعدَّدت في ذلك الأحاديث، ومنها:
القبلة الأولى
كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين تجاه المسجد الأقصى، وجعلوه قبلةً لهم طيلة العهد المكِّيِ وما يقرب من العام والنِّصفِ في العهد المدني، وهذا بتوجيهٍ من الله تعالى، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفَ إِلَى الْكَعْبَةِ”. (رواه الإمام أحمد، والترمذي).
ثاني مسجدٍ بُنِيَ على الأرض
في الحديث عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قلتُ يا رسول الله: أيُّ مسجد وُضِعَ في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال” المسجد الأقصى. قلت: كم بينهم؟ قال: أربعون سنة” (رواه البخاري).
وفي هذا بيان لعظيم مكانة المسجد الأقصى الذي ارتبط بالمسجد الحرام وليكون ثاني مسجد في الأرض يُعْبَدُ فيه الله تعالى، فنال شرف السبق وشرف الارتباط بالمسجد الحرام.
ثالثُ المساجدِ التي تُشَدُّ لها الرِّحال
أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ المسجدَ الأقصى أحدُ المساجدِ الثَّلاثة التي يُشرَع شدُّ الرِّحال والسَّفر خِصِّيصًا للصَّلاةِ فيها، تلَمُّسًا لبركتِها وعظيمِ الأجر فيها، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدّ الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) (متفق عليه).
مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم
أمَّا معجزة الإسراء والمعراج؛ فإنَّ كتبَ السنَّةِ قدَّمت وصفًا دقيقًا لها ولأحداثِها، وما ارتبط منها بالأقصى؛ كالانتقال إليه بالبُراق، واجتماعِ الأنبياء فيه، وإمامةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهم، والعروجِ منه إلى السماء لتلقِّي أمر الصلاة، وعودته إليه.
ومن هذه الأخبار ما جاء في صحيح مسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: “أُتيت بالبُراق – وهو دابَّةٌ أبيضٌ طويلٌ فوقَ الحمارِ ودُون البَغْل يضع حافره عند منتهى طرفه – قال : فركبت حتى أتيت بيت المقدس، قال : فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال: ثمَّ دخلت المسجد فصلَّيْت فيه ركعتيْن ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناءٍ من خمرٍ وإناءٍ مِنْ لبنٍ فاخترْت اللبن، فقال جبريل – عليه السلام – اخترت الفطرة، ثم عَرَجَ بنا إلى السماء ..” وهو جزءٌ من حديثٍ طويل. (للمزيد عن الأقصى في رحلة الإسراء والمعراج).
مضاعفةُ أجرِ الصَّلاةِ لِمَنْ صلَّى في الأقصى.
تعدَّدت الأحاديثُ التي ذكرت مُضاعفةَ أجرِ الصَّلاةِ في المسجدِ الأقصى؛ منها: أنَّ الصلاةَ فيه تُعادِلُ ألف صلاةٍ فيما سواه، ومنها ما يذكر أنَّها تُعادل خمسمئة صلاة، ومنها ما يذكر أنها تعادل مئتين وخمسين صلاة، وقد علَّل العلماءُ سببَ الاختلافِ بيْن هذه الرِّوايات بأنَّ الأجر في البداية كان 250 صلاة، ثم أكرم اللهُ المسجدَ بأنْ جعل الصَّلاةَ فيه بخمسمئة صلاة ثم جعلها بألف، ذلك أنَّ فضلَ الله تعالى يزيد ولا ينقص، وهذه الزيادة كلُّها إعلاء من شأن الأقصى.
ومن هذه الأحاديث نذكر التالي:
- عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: أَنه سأَلَ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن الصلاةِ في بيتِ المقدسِ أفضلُ، أو في مسجدِ رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعمَ المصلى، هو أَرضُ المحشرِ والمنشر، وليأتين على الناسِ زمانٌ ولَقِيدُ سوطِ -أو قال: قوسِ- الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ له أو أَحبُّ إليه من الدنيا جميعاً”. (رواه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب). فدلَّ هذا الحديثُ على أنَّ أجرَ الصَّلاةِ في المسجدِ الأقصى تعدل مائتين وخمسين صلاة؛ لأنَّ الصلاة في المسجدِ النبويِّ بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، لحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: “صلاةٌ في مسجدي هذا خيرٌ مِنْ ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام” (متفق عليه).
- عن أبي الدرداء وجابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة” (أخرجه البيهقي في السنن الصغرى رقم (1821) وحسنه).
- عن مَيْمُونَةَ، مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه. (مسند الإمام أحمد).
ملاحظة: وردت روايات أخرى تجعل فضل الصلاة في الأقصى بخمسين ألف صلاة؛ لكنَّها غير صحيحة حسب حكم علماء الحديث.
مغفرةُ الذُّنوبِ لِمَن صلَّى فيه مُخْلِصًا لله تعالى.
ولذلك جاءت الأحاديث لتُبَيِّن فضل الصلاة في المسجد الأقصى؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”لما فرغَ سليمانُ بن داودَ عليهما السلام من بناءِ بيتِ المقدسِ، سأل الله عزَّ وجلَّ ثلاثاً: أَن يعطيهُ حكماً يصادف حكمه، ومُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدهِ، وأَنه لا يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلا الصلاةَ فيه؛ إلا خرجَ من ذنوبهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّه”. فقال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَما ثِنتَينِ فقد أُعطيَهما، وأرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة”. (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه)
ففي الحديث دلالة على فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، والرجاءُ المذكور في الحديث مُتَحَقِّقٌ لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم بإذن الله تعالى كما استجاب الله لدعوات سليمان عليه السلام.
ولهذا السبب كان الصحابيُّ الجليلُ عبد الله بن عمر رضي الله عنه يأتي من الحجاز إلى بيت المقدس؛ فيدخل فيصلي في المسجد الأقصى المبارك، ثم يخرج ولا يشرب فيه حتى الماء -أي فقط يأتي للصلاة- من أجل تصيبه دعوة سليمان عليه السلام الواردة في الحديث.
فضل الإحرام من الأقصى
يداوم الرسول صلى الله عليه وسلم على إخبار أصحابه بعلاقة الأقصى بالمسجد الحرام حتى في العبادات المكانيَّة كالحج والعمرة؛ فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. (رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم)
ومعنى “أهلّ”: أي أحرم بنيَّة الحجِّ أو العمرة، وأصلُ الإهلال: هو رفع الصوت بالتَّلْبِيَةِ عند الدخول في الحجِّ أو العُمرةِ.
الدجَّالُ لا يدخل الأقصى .
والمسجد الأقصى -كما ورد في الحديث الصحيح- واحد من أربعة مساجد، لن يتمكَّن الدجَّالُ من دخولِها، وذلك مِنْ حفظِ الله تعالى لهذه المساجدِ الأربعة، وإشارة إلى علوِّ مكانتِها، وأنَّها مما يُعْتَصَمُ به وقت الفتن، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم عن الدجال: (علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سُلْطانه كلَّ منْهلٍ، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة، ومسجد الرسول، والمسجد الأقصى، والطور” ( رواه أحمد في المسند)
فضل الإهداء للأقصى والعناية به.
دلَّ على ذلك حديث ميمونة السابق، لما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ [أي المسجد الأقصى] قَال: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه. (مسند الإمام أحمد).
أرض المحشر والمنشر.
حسب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر السابق عن المسجد الأقصى : “هو أَرضُ المحشرِ والمنشر” (رواه البيهقي).
المسجد الأقصى “نعم المصلى”.
حسب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ذر السابق عن المسجد الأقصى: “ولنعم المصلى هو” (رواه البيهقي). وهذا وصف فيه من المديح والتكريم للمسجد الأقصى بأنه من خير الأماكن التي يُمكِنُ للمسلم أن يُصَلِّيَ فيها.