تلقت العلم الشرعي على المصاطب المباركة، فحفظت كل ناحية وزاوية في القبلة الاولى، فازدادت بها تعلقا، وعقدت العزم على حمايته مهما كلف الثمن، فكانت واحدة من حرائر المسجد الأقصى المبارك، والمرابطات في ساحاته الشريفة، وهي اليوم رغم مرضها الخطير، فإنها ترى سرطان الاحتلال أعظم سرطان، يجب اجتثاثه من مدينة الطهر والسلام، إنها المرابطة سميحة شاهين.
مكانها يفتقدها..
المرابطة سميحة شاهين، اعتقلت (12) مرة، كان نصيب سجن الرملة منها مرتين، استمر التحقيق معها في اعتقالها الأول خمس ساعات، لكنهم لم يأخذوا منها حقا ولا باطل، فتم الافراج عنها بكفالة، وإبعادها عن مهجة روحها لمدة (15) يوما، أما الاعتقال الثاني، فكان من داخل جنتها، المسجد الأقصى المبارك، وكان ذلك هو الاعتقال الأصعب، فقد تم اقتحام المسجد من القوات الخاصة الإسرائيلية، وتعرضت للضرب الشديد، فكسرت لديها عظام الصدر والظهر، وهي تعاني من هذه الكسور حتى الآن، ولما كانت تتألم أثناء التحقيق، كانت المحققة الإسرائيلية تصرخ في وجهها قائلة لها: “بكفي تمثيل”، ثم أبعدت شهرا عن الأقصى.
تقول شاهين إن هدف الاحتلال الإسرائيلي من إبعاد المرابطات، هو تفريغ المسجد الأقصى من أهله، لكي تتم الاقتحامات من المستوطنين دون أي ازعاج، فيؤدوا طقوسهم التلمودية، وانتهاكاتهم اللاأخلاقية في المسجد الأقصى، فقد نجح النساء في التصدي لهذه الاقتحامات عدة مرات، ومنعهم من أداء طقوسهم التلمودية وشرب الخمور، وكان سلاحهم في تلك المواجهات، كلمة “الله أكبر”، حتى يخرجوا صاغرين من الساحات الطاهرة، التي ترفض دنسهم.
المرابطة شاهين، كان لها في الأقصى مكان رباط دائم، يعرفها وتعرفه، كان يومها فيه يبدأ من صلاة الفجر إلى ما بعد صلاة الظهر، فبعد أن تؤدي صلاة الفجر، تنطلق حيث باب الرحمة، مقابل الصخرة المشرفة، لتضع سجادتها وتجلس عليها، تقرأ وردها القرآني والأذكار، ثم تصلي الضحى، ثم تستعد لخوض المعركة مع جنود الباطل، إذ يدخل أول فوج من المقتحمين لأداء طقوس ضالة، فتكون تلك السيدة عائقا لهم، تصدهم عم المسجد بإيمانها وتكبيرها، لم يرق ذلك لهم، فأبعدت مرارا، حتى منعت من دخول المسجد، فانتقلت إلى وسيلة أخرى، وهي الرباط عند الأبواب.
لم يقعدها المرض..
أخذت المعركة بينها وبين العدو بعدا آخر، فتم اقتحام بيت والد زوجها، وتم استدعاؤها لمقابلة المخابرات الإسرائيلية، بتاريخ 10/4/ 2016، وبعد جدال ونقاش طويل حاولوا الضغط عليها للتوقيع على قرار ابعادها عن المسجد والأبواب المؤدية اليه مدة ستة أشهر، مدعين أنها سبب كل المشاكل في المسجد الأقصى، فرفضت التوقيع، فتمت مصادرة بطاقتها الشخصية، ثم تمت إعادتها.
كان ذلك اليوم قاسيا على نفس المرابطة سميحة شاهين، كانت كما تقول تشعر بكثير من القهر والغيظ، فكيف تحرم من المكان الذي أحبته لدرجة العشق؟، كيف يمنع أهل المسجد من دخوله ويسمح للأغراب؟، كانت أسئلة تقلبها في ذهنها، حتى وصلت البيت، فصلت العشاء، ثم سلمت أمرها لله ونامت ليلتها تلك، بعد طويل تفكير، استيقظت في ثلث الليل الآخر لصلاة القيام، فلم تحملها قدماها، ثم أغمي عليها، حتى كسرت قدمها، وبعد فحوصات وترقب وانتظار، اكتشفت أنها مصابة بسرطان الدم، فبقيت أربعة اشهر بالمستشفى، وهي الآن تتلقى العلاج بالبيت.
كلكم راع..
لاشك أن المرابطة شاهين تعاني كثيرا من الالام بسبب مرضها، لكن الألم الأشد هو في منعها من دخول المسجد الأقصى، إذ لا تستطيع دخوله إلا في أيام الجمع مع زحمة المصلين، إلا أنها تؤدي أمانتها من خلال حث النساء الأخريات، على زيارة المسجد الأقصى للصلاة والرباط فيه.
وتختم حديثها معنا، بحث الأمة المسلمة، على الدعاء للأقصى، ومساندة أهله والمرابطين فيه، بكل وسيلة، “فالأقصى أمانة في أعناقنا جميعا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.